اخر الاخبارالمال والاعمال

الذكاء الاصطناعي يخوض في «توقعات الأعمار».. هل هذا شيء جيد؟

ft

حياتنا، مثل القصص، تَتبع منحنيات سردية، كلٌ منها يتَكَشف على نحو متفردٍ في فصول تحمل عناوين مألوفة: المدرسة، المسيرة المهنية، الانتقال لمنزل جديد، التعرُض لمكروه، الإصابة بمرض. وكل خط أحداث في القصة، أو الحياة، له بداية ووسط ونهاية.

في الوقت الراهن، ووفقاً للعلماء، فإن كل قصة حياة هي سردية تنتهي بموتٍ مُتوَقَع. وباستخدام بيانات السجل الدنماركي، التي تحتوي على كم هائل من المعلومات اليومية عن التعليم، والرواتب، والوظائف.

وعدد ساعات العمل، والإسكان وزيارات الطبيب، طَوَّر الأكاديميون خوارزمية يُمكنها التنبؤ بمسار حياة الشخص، بما في ذلك الوفاة المُبكرة، بطريقة مُشابهة جداً لكيفية تنبؤ نماذج اللغات الكبيرة، مثل «شات جي بي تي» بالجُمل. وقد تفوَقَت هذه الخوارزمية بالفعل على نماذج التنبؤ الأُخرى، بما في ذلك الجداول الإكتوارية المُستخدمة في صناعة التأمين.

حقيقة أن وجودنا المُعقد يُمكن تحليله مثل قُصاصة من نص أمرٍ مُثير ومُقلق في الوقت نفسه. وفي حين أننا نعلم أن هناك ترابطاً بين زيادة الدخل ارتفاع مُتوسط العُمر المُتوَقَع، فإن ربط كميات هائلة من البيانات المُختلفة قد يكشف عن طُرقٍ أُخرى تؤثر فيها العوامل الاجتماعية على الصحة. ومن المُمكن أن يفيد ذلك صُنّاع السياسات في سعيهم لتحسين احتمالات العيش لفترة أطول، وبصحة أفضل.

من الناحية السلبية، هناك شيء اختزالي على نحو سخيف في فكرة «ديث جي بي تي» الموازي لـ«تشات جي بي تي». فكُل حبة في عقد الحياة، مثل حضور فصل دراسي، زيادة في الراتب، فقدان أحد الوالدين، تبدو تفصيلة شخصية تماماً بدرجة تصعب معها فكرة تشغيلها مجموعة بيانات يُمكن التنبؤ بها.

لكن في عصر البيانات الضخمة، ووجود الذكاء الاصطناعي لاستخلاصها، سنحتاج إلى تَقَبُل أن مثل هذه التجارب النوعية وعُمق الشعور بها يُمكن التقاطها كمياً بطُرق تَرسم، ضمن هوامش الخطأ، توقعات أعمار الأشخاص.

ولا يجد سوني ليمان، من الجامعة التقنية في الدنمارك والذي قاد البحث الذي نُشر الشهر الماضي في مجلة نيتشر كومبيوتيشنال ساينس، أي جانب مربك في هذه الفكرة.

وقد أخبرني عبر البريد الإلكتروني: «أعتقد أن التشابه بين النص والحياة عميق ومُتعدد الجوانب. يبدو منطقياً بالنسبة إليّ أن خوارزميتنا بإمكانها التنبؤ بالخطوة التالية في حياة الإنسان».

فاللغة والحياة عبارة عن تسلسلات وتتابُعات، وقد استغل الباحثون، الذين أتوا من جامعة كوبنهاغن وجامعة نورث إيسترن في بوسطن، هذا التشابه. في البداية جمعوا «مُفردات» من أحداث الحياة، وابتكروا نوعاً من اللُغة التركيبية واستخدموها لتكوين «جُمل». وإحدى عينات هذه الجمل قد تكون: «خلال عامها الثالث في المدرسة الداخلية الثانوية، حَضرت هيرميون 5 فصول اختيارية».

وتماماً مثلما تُحلل نماذج اللغات الكبيرة النصوص لمعرفة العلاقات بين الكلمات، فإن خوارزمية «لايف تو فيك» Life2vec) التي تُغذيها قصص الحياة المُعاد تشكيلها لسكان الدنمارك البالغ عددهم 6 ملايين نسمة بين عاميّ 2008 و2015، تُحلل هذه المُلخصات للبحث عن علاقات مُماثلة.

ثم تأتي لحظة الحقيقة: ما مدى نجاح هذه الخوارزمية في تطبيق هذا التدريب المُكَثف للخروج بتنبؤات للفترة من عام 2016 إلى عام 2020؟ وبين تجارب اختبار هذه الخوارزمية، دَرَس الباحثون عينة من 100,000 شخص تتراوح أعمارهم بين 35 و65 عاماً، عاش نصفهم والنصف الآخر مات خلال تلك الفترة.

وعندما طُلب من خوارزمية «لايف تو فيك» تخمين من الذي توفي منهم، خرجت الخوارزمية بنتائج صحيحة في نسبة 79 % من المرات (التخمين العشوائي يُعطي نتائج صحيحة بنسبة 50 %). وقال ليمان إنها تفوَقَت على أفضل النماذج التنبؤية الحالية بنسبة 11 %.

وتَزعُم الورقة البحثية أن «التنبؤات الفردية الدقيقة مُمكنة فعلاً»، لكن الخوارزمية تُقدم احتمالية الوفاة في فترة مُعينة وليس في تاريخ مُحدد. وهناك بعض التحفُظات، فما ينطبق في الدنمارك قد لا ينطبق في مكانٍ آخر.

وحتى مع ذلك، ونظراً لإمكاناتها في تحسين التنبؤ بالمخاطر، فإن تأثيرها على صناعة التأمين أمر يتعين مُراقبته، لكن الباحثين، من جانبهم، لا يرغبون في أن تستخدم شركات التأمين أعمالهم، ويُبقون على الخوارزمية والبيانات طيّ الكتمان حتى الآن.

ويؤكد الباحثون أن ما هو أكثر إثارة من النتائج، هو أن «لايف تو فيك» هي خوارزمية عامة وليست مُحددة لمُهمة مُعينة. وفي نماذج التنبؤ الحالية، على الباحثين أن يُحددوا المُتغيرات المُهمة مُسبقاً، مثل العمر والجنس والدخل.

في المُقابل، تستوعب هذه المنهجية جميع البيانات ويُمكن لها بمُفردها التعرُف على العوامل ذات الصلة (فعلى سبيل المثال، لاحظت أن الدخل عامل مؤثر بشكل إيجابي على فرص الحياة لفترة أطول، وأن تشخيص الصحة العقلية يُعتبر عاملاً سلبياً).

وقد يوَّجه هذا الباحثين نحو تأثيرات عوامل غير مُستكشفة سابقاً على الصحة، وقد يَكشف عن روابط جديدة بين أنماط سلوكية غير مُرتبطة ظاهرياً.

وتبقى الخصوصية واحدة من مخاوف ليمان المُتزايدة؛ حيث يُشير إلى أن شركات مثل جوجل تُجمع آلات التنبؤ القوية، باستخدام ثروة البيانات الشخصية الهائلة المُستخلصة من الإنترنت.

إننا نشهد عصراً لقُدرة غير مسبوقة على التنبؤ في حياة الإنسان، وعصر قوة لا مثيل لها لأولئك القادرين على قراءة قصصنا قبل حتى أن نعيشها.

كلمات دالة:
  • FT

الذكاء الاصطناعي يخوض في «توقعات الأعمار».. هل هذا شيء جيد؟

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock