العلماء يراهنون على أنسجة مشابهة للدماغ لتطوير «الحوسبة البيولوجية»
في مسعى لابتكار نظام للتعرف على الكلام وإجراء الحسابات، دمج العلماء أنسجة مماثلة لأنسجة المخ مع أجهزة إلكترونية؛ بهدف إحداث تقدم كبير بأبحاث إنشاء أجهزة حوسبة بيولوجية عالية القدرة.
ويعطي هذا العمل دفعة للجهود المبذولة لبناء ما يسمى بأجهزة حوسبة عصبية تعمل بخلايا الدماغ البشرية، وتكون لديها القدرة على التعلم بشكل أسرع، وتتسم بكفاءة أكبر في استهلاك الطاقة مقارنة بالأجهزة التقليدية المبنية على السيليكون. وكما يقول الباحثون، يمكن أن يؤدي تحقيق اختراق في هذا المجال الناشئ إلى تحسين تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لتحقيق تقدم كبير بمجالات، مثل العلوم الطبية والعلاجية.
وكتب مؤلفو ورقة بحثية عن هذا الابتكار الهجين، نشرت في مجلة «نيتشر إليكترونكس»: «تهدف أجهزة الحوسبة المستوحاة من الدماغ إلى محاكاة بنية ومبادئ عمل المخ ويمكن استخدامها لمعالجة القيود الحالية في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي».
وقام باحثون من جامعة إنديانا بلومنجتون وجامعتي لوريدا وسينسيناتي والمركز الطبي لمستشفى سينسيناتي للأطفال ببناء نظام «برينووير» باستخدام ما يسمى بعضويات الدماغ، وهي هياكل عصبية ثلاثية الأبعاد تنمو من خلايا جذعية بشرية معدة مخبرياً.
وقام الفريق بتوصيل الأجهزة الكمبيوترية لإرسال تحفيز كهربائي إلى العضويات العصبية وقراءة النشاط العصبي الذي تنتجه كرد فعل. وتمكن النظام من التعرف على أصوات حروف العلة اليابانية وتنبأ بعمليات رياضية.
وأعطى العلماء نظام «برينووير» في اختبار اللغة مهمة التمييز بين ثمانية ذكور مختلفين يتحدثون اليابانية، مسجلين ضمن مجموعة من 240 مقطعاً صوتياً. وقد تحسن النظام بشكل كبير بعد تدريب خوارزمياته الأساسية؛ حيث ارتفعت دقته من حوالي %51 إلى حوالي %78.
وفي اختبار الرياضيات، حاول الباحثون جعل النظام يتنبأ بخريطة هينون، وهي تمثيل للنشاط العشوائي. وهنا، أثبت نظام برينووير أنه أقل دقة قليلاً من الشبكات العصبية القائمة على السيليكون، لكن وقت تدريبه كان أقل بأكثر من %90.
وتأتي هذه الأبحاث بعد إطلاق فريق دولي، بقيادة علماء من جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة، في فبراير خارطة طريق تفصيلية نحو «ذكاء العضويات العصبية». وتعد الخطة باكتشافات في مجال الحوسبة، وعلم الأعصاب، ومجالات أخرى من البحث الطبي.
وبينما يقر الباحثون بأن الحواسيب البيولوجية ذات الاستخدام العام قد تكون بعيدة بعقود عن التحقق فعلياً، فإن تجارب نظام برينووير تسلط الضوء على الإمكانات الكامنة هذا المجال.
وكما كتب ثلاثة من علماء جونز هوبكنز في تعليق نشر أيضاً في مجلة «نيتشر إلكترونكس»، فمن المحتمل أن تولد أبحاث الحوسبة البيولوجية «رؤى أساسية حول آليات التعلم والتطور العصبي والآثار المعرفية للأمراض العصبية التنكسية». وقال الباحثون الثلاثة، الذين لم يشاركوا في ورقة نظام برينووير: «في السنوات القليلة المقبلة، من المرجح أن تظهر أنظمة عصبية أكثر تعقيداً يمكنها التفاعل مع بيئات اصطناعية متزايدة التعقيد».
من ناحية أخرى، يثير هذا التقدم أسئلة أخلاقية حول خلق «ذكاء على طبق» يماثل الدماغ، ولديه حتى إمكانية لاكتساب وعي أساسي. وأضاف الباحثون: «مع زيادة تعقيد هذه الأنظمة من العضويات العصبية، من الضروري للمجتمع دراسة عدد لا يحصى من القضايا الأخلاقية العصبية التي تحيط بأنظمة حوسبة بيولوجية تضم أنسجة عصبية بشرية».
