اخر الاخبارالمال والاعمال

حقوق العمال في الولايات المتحدة نحو صدارة المشهد

توجه كل من الرئيس جو بايدن ودونالد ترامب إلى ميشجن الأسبوع الماضي.

وقد وصف الكثيرون في وسائل الإعلام هذه الزيارات بأنها محاولات متشابهة لجذب الناخبين النقابيين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات عام 2024، غير أن هذا يُعدّ اعتقاداً خاطئاً أو مضللاً بدرجة كبيرة، فمن الواضح أن الزيارات لم تكن جهوداً متماثلة لتأييد للنقابات.

من ناحية، انضم الرئيس بايدن إلى مسيرة اعتصام لدعم اتحاد عمال السيارات وهو أمر لم يفعله أي رئيس آخر في تاريخ الولايات المتحدة، وخطب فيهم قائلاً: «أيها الناس، تمسكوا بموقفكم، فأنتم تستحقون الزيادة الكبيرة التي تحتاجونها». من جانبه، قبل ترامب دعوة من إدارة إحدى شركات قطع غيار سيارات غير النقابية لزيارة مصنعها، لكنه قلل من أهمية إضراب اتحاد عمال السيارات، وأخبر جمهوره أن المفاوضات الحالية لا تعني الكثير كما يعتقدون، بينما كان في الغالب يقصد التعبير عن موقفه ضد السيارات الكهربائية.

ويبقى لنا أن نرى تأثير ذلك على انتخابات العام المقبل. إن العمال إذا صوتوا على أساس من يضع مصالحهم في الاعتبار حقاً، وليس من اختار مراراً وتكراراً وضع مصالح الشركات فوق مصالح العمال، فإن ذلك سيصب في صالح بايدن إلى حد كبير. في حين، إذا تم تصوير كلا المرشحين على أنهما يغازلان الناخبين من الطبقة العاملة، فسيكون الموقف أكثر غموضاً. ورغم ذلك، فإن تقييم الزيارتين إلى ميشجن على أساس تأثيرهما المحتمل على انتخابات عام 2024 لا يعد سوى تفكير ضيق.

كان الاتجاه الأكثر أهمية في الحياة الاقتصادية بالولايات المتحدة في العقود الأخيرة هو اتساع فجوة التفاوت في الدخل، والذي يرجع إلى حد كبير إلى النمو الهزيل في أجور الجميع باستثناء الفئات الأعلى أجراً. ربما كان السبب الأبرز لهذا التفاوت الشديد هو تقويض قوة الاتحادات العمالية، وما تلا ذلك من تراجع في دور النقابات والقدرة على التفاوض الجماعي. وإذا كان انضمام بايدن للاعتصام يُعدّ حقاً بمثابة إشارة إلى إحياء قوة العمال، فقد يفضي ذلك إلى تمتع الكثير من الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط بحياة اقتصادية أفضل على مدى أجيال قادمة.

إن الفضل في تأسيس الطبقة الوسطى الأمريكية يعود إلى انتشار النقابات في منتصف القرن العشرين. وثمَّة عاملين قادا إلى ذلك، هما: الكم الهائل من التنظيم للقواعد الشعبية، ودفعة السياسات المنسقة في ظل صفقة فرانكلين روزفلت الجديدة آنذاك لدعم النقابات. وكان أحد هذه القوانين هو القانون الوطني لعلاقات العمل لعام 1935 (قانون فاجنر)، الذي شجع التفاوض الجماعي من خلال حماية الحرية الكاملة للعمال في تكوين الجمعيات والنقابات.

السبب الآخر هو ربط الظروف القوية المؤيدة للعمال، وتلك التي حاربت التمييز العنصري من جانب أصحاب العمل، بالإنفاق الفيدرالي الضخم على الدفاع حتى الحرب العالمية الثانية وأثنائها. وقد أثارت هذه الجهود والسياسات الجدل في ذلك الوقت، إلا أنها كانت بمثابة الأساس الذي اتخذته النقابات في الولايات المتحدة لبناء الطبقة المتوسطة. وكل منهما له نظائره الواضحة في مناقشة السياسات اليوم، حيث تشهد الساحة جهودا ترمي إلى إصلاح قانون العمل بشكل جذري وربط الظروف المؤيدة للعمالة بشرائح كبيرة جديدة من الاستثمار الفيدرالي، الأمر الذي يبرهن على أن التنظيم الشعبي الذي ازدهر في منتصف القرن العشرين قد عاد مرة أخرى في عالم اليوم.

لقد بلغ الحماس والدعم الذين تتلقاهما النقابات مستويات لم نشهدها منذ عقود. وهو ما يتجلى في تقديم العمال التماسات لإجراء انتخابات نقابية وضد ممارسات العمل غير العادلة بمعدلات لم نشهدها منذ الخمسينيات. وفي الأشهر الأخيرة، قام عشرات الآلاف من العمال، بدءاً من كتاب هوليوود وعمال التوصيل وصناع القهوة وصولاً إلى عمال الفنادق وأطقم التمريض وعمال السيارات، إما بالإضراب أو التهديد بذلك. ولكن، خلافاً لما كان عليه الحال في منتصف القرن العشرين، فإن قانون العمل اليوم يشكل عائقاً هائلاً أمام زيادة دور النقابات. لقد أصبح قانون العمل الآن ضعيفاً إلى الحد الذي يجعل معه خرق شروط النقابات مجرد كلفة بسيطة وليس خسارة كبيرة للأعمال التجارية بالنسبة لأغلب الشركات.

ويواجه العمال عقبات هائلة في الانضمام إلى النقابات وتأمين تعاقداتهم الأولى؛ وهناك مهام ثقيلة ينبغي للمجلس الوطني لعلاقات العمل القيام بها لكي يوفر حماية أفضل لحق العمال في التنظيم، كما تحتاج جهودهم إلى دعم تشريعي جادٍ إذا أرادوا إعادة التوازن بشكل أساسي إلى ساحة التفاوض. وعلى المستوى الفيدرالي، يتطلب إدراجا تحت قانون حماية حق التنظيم (PRO)، ونظيره في القطاع العام وهو قانون حرية التفاوض للعاملين بالخدمة العامة.

ستكون هذه أول إصلاحات تشريعية فيدرالية مؤيدة للعمال منذ قانون فاجنر، مما يعيد حق العمال في تكوين النقابات والمفاوضة الجماعية إلى الواجهة، ولكن مع تحديثات تعالج العديد من الطرق التي أعاق بها أصحاب العمل في العقود الأخيرة جهود التنظيم. ويجب أن يصاحب ذلك على مستوى الولايات إلغاء ما يسمى بقوانين الحق في العمل وإصدار تشريعات تدعم التفاوض الجماعي للعاملين في القطاع العام.

فضلاً عن ذلك، يجب تنفيذ معايير العمل المرتبطة بالعديد من المشروعات الاستثمارية التي أُطلقت في ظل إدارة بايدن بشكل حازم، وتوسيع نطاقها حيثما أمكن ذلك. جدير بالذكر أن العلاقة بين السياسة الصناعية ومعايير العمل تتمتع بتاريخ غني وناجح في هذا البلد، كما شهدنا خلال إدارة روزفلت قبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو ما ينبغي أن يستمر الآن. وستساعد مثل هذه التدابير على ضمان أن تؤدي الصحوة التنظيمية التي نشهدها حالياً إلى تغيير دائم. وأي مرشح رئاسي لا يركز على الجهود السياسية الرامية إلى تأمين الحق الأساسي للعمال في التنظيم لا يستطيع الادعاء بجدية الاهتمام بالطبقة العاملة الأمريكية. ومن ثم، لا يمكنه الالتفاف على ذلك بالزيارات العشوائية إلى المصانع غير النقابية في ميشجن.

حقوق العمال في الولايات المتحدة نحو صدارة المشهد

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock