مستوى قياسي للإنفاق العسكري عالمياً

يعيش العالم أخطر منعطفاته منذ الحرب العالمية الثانية حيث تقترب الحرب في أوكرانيا من دخول عامها الثالث. كما يستعر الصراع بين إسرائيل وحركة حماس للشهر الرابع، وتزداد مخاطر اتساع رقعة المناوشات في البحر الأحمر ولبنان واحتمالية تحولها إلى حرب إقليمية شاملة. كذلك جاءت النهضة الاقتصادية في الصين مع نفوذ عسكري أكبر كثيراً. وهكذا، يمثل العالم الأكثر عدوانية نبأً غير سار للجميع، فيما عدا صناعة الدفاع، فمع تصاعد التهديدات، تزداد سجلات طلبياتها ازدهاراً.

وتقترب الطلبيات لدى أكبر شركات الدفاع على مستوى العالم، والتي تشمل «لوكهيد مارتن» و«جنرال دايناميكس» و«بي إيه إي سيستمز»، من أفضل مستوياتها على الإطلاق، بعدما نمت بنسبة 10 % بين عامي 2021 و2022 وحدهما. وظل الطلب على المعدات العسكرية قوياً العام الماضي أيضاً.

كما تقبل الحكومات على شراء العدد والعتاد والذخيرة لخوض الحروب، أو للتبرع لحلفائها، أو لتراكم مخزونات. وفي أوروبا، تعمل الدول على تجديد مخزوناتها التي استنفدتها في سبيل منحها إلى أوكرانيا. لذلك، بلغ الإنفاق العسكري العالمي مستوى قياسياً عند 2.2 تريليون دولار في 2022.

انضم المستثمرون بدورهم لهذه الموجة، فقد حقق مؤشر «إم إس سي آي» العالمي لأسهم الدفاع مكاسب بنحو 15 % على مدى الـ 12 شهراً الماضية. أما أسهم الدفاع البريطانية، التي حلقت بأكثر من 140 % منذ بداية 2021، فتسجل هي الأخرى مستويات قياسية. وتحوم صناديق الأسهم الخاصة، بحثاً عن فرص، كما تزدهر استثمارات رأس المال المغامر في الشركات الناشئة العسكرية بالولايات المتحدة.

وستظل هذه الأعمال قوية. فقد برهنت الحرب في أوكرانيا على أن عصر معارك الدبابات الكبيرة، والمدفعية لم ينته بعد، كما كان يراهن البعض. لكن التقدم التقني الكبير يشي بتطور أشكال جديدة من الحروب.

لذلك، نجد طلباً عالياً على المسيرات، والمستشعرات، والصواريخ دقيقة التوجيه، وكذلك معدات الاتصالات. الشركات هي الأخرى، تحتاج لتعزيز أمنها وسط توقعات بنمو سوق الحرب السيبرانية العالمية بأكثر من 250 % في العقد المقبل.

لقد فوجئت الصناعة بالنزاعات والتهديدات المتصاعدة. وتواجه الشركات صعوبة في رفع إنتاجها، وسط نقص للعمالة واضطراب بسلسلة التوريد، جاء في حد ذاته نتيجة لارتفاع عدم الاستقرار العالمي.

وتستغرق إعادة إحياء خطوط التصنيع الخاملة وقتاً ليس بالقصير، وقد يحتاج الوصول إلى مرحلة الإنتاج بالمنشآت النشطة التي تعمل على تصنيع المعدات المعقدة، مثل الأسلحة عالية الدقة، لما يصل إلى عامين أو ثلاثة أعوام. وبكل تأكيد، تستهلك أوكرانيا الذخائر بسرعة أكبر من سرعة تصنيعها. وبالنسبة للمصنعين، مواصلة الابتكار في الوقت عينه ليس بالأمر اليسير.

سيحتاج الحلفاء والصناعة في الغرب للتعاون في تنويع وتعزيز مرونة سلاسل التوريد الدفاعية، بما في ذلك مراكمة مخزونات استراتيجية ورقمنة العمليات. ويساور المصنعين قلق من تعزيز الإنتاج، خشية أن يجدوا أنفسهم في النهاية متروكين بطاقة فائضة.

لكن الحكومات أدركت بعد أعوام من تقليص المخزونات العسكرية، أنها بحاجة لمعاودة مراكمة المخزونات. كما تحتاج الشركات إلى اجتذاب وتدريب المواهب والاحتفاظ بها، سواء عن طريق البرامج التدريبية وعبر تأسيس شراكات مع المعاهد البحثية.

ويمكن أن يواجه كبار المتعهدين، ممن لديهم دورات تطوير أطول أمداً، صعوبة في مواكبة التقدمات التكنولوجية. ويشكل ذلك فرصاً للشركات الناشئة الأكثر ذكاءً، التي عادة ما تركز على السوق التجارية، للدخول في تطبيقات عسكرية، من بينها الروبوتات والأنظمة غير المأهولة.

وتحتاج عمليات الشراء لأن تكون أكثر مرونة وعدالة، إذ إن المنافسات على نيل العقود غالباً ما تكون في غير صالح الشركات الأصغر. ويحظى هذا بأهمية خاصة، لأن مقاييس المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للمستثمرين بإمكانها الحد أيضاً من وصول مثل هذه الشركات إلى التمويل.

وحتى إن لم تتصاعد الصراعات الحالية، يبدو جلياً أن العالم يعيش حقبة جديدة من التوترات الجيوسياسية وازدياد مخاطر الحرب. صحيح أن المجتمع قد يأمل لما هو أفضل، لكن حري بصناعة الدفاع إثبات قدرتها على الاستعداد للأسوأ.