اخر الاخبارالمال والاعمال

مشاكل كبيرة تلوح في أفق أسواق السندات

ft

كبير الاقتصاديين الأوروبيين في شركة تي رو برايس

هل يؤثر العرض بسوق السندات على مستوى العوائد؟ وفقاً للنظرية السائدة عن تقييم السندات، فالجواب لا. ويفتح ذلك باب الجدل حول ما إذا كانت أسعار الفائدة طويلة الأجل هي مجرد متوسط لأسعار الفائدة قصيرة الأجل في المستقبل. وهذا توصيف جيد لمنحنى العائد في الأوقات العادية، ولكنه لا يصف الحالة التي نعيشها اليوم.

لقد كان الطلب على الديون السيادية من القطاع العام والكيانات الخاضعة للرقابة غير مسبوق في العقد الماضي، وأدت برامج التيسير الكمي لشراء السندات، منذ الأزمة المالية، بهدف دعم الاقتصادات والأسواق، إلى قيام البنوك المركزية بزيادة حصتها بشكل كبير من الديون الحكومية المحلية، حيث اشترت السلطات النقدية الأجنبية السندات الحكومية لمجموعة السبع كجزء من احتياطياتها من النقد الأجنبي. وارتفع الطلب من البنوك نتيجة لتنظيم السيولة عقب إصلاحات بازل 3. ولكل هذه الأسباب، لم يكن أمام القطاع الخاص سوى استيعاب قدر ضئيل من الديون السيادية الصادرة، حتى خلال ذروة جائحة «كوفيد 19» عندما كان الارتفاع الهائل في عجز القطاع العام مصحوباً بزيادة هائلة في التيسير الكمي. وقد أدى هذا إلى تشويه أسواق السندات الرئيسية بشكل كبير.

ويتجلى ذلك في أن بنك اليابان يمتلك أكثر من 50% من سوق السندات الحكومية اليابانية، فيما حوالي 20 إلى 40% فقط من سوق السندات في ألمانيا متاح لمستثمري القطاع الخاص. وأحد مظاهر هذه التشوهات هو تداول عوائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات في عمق منطقة العائد السلبي منذ عامين. وبما أن مستثمري القطاع الخاص يرجحون فروق العائدات عبر أسواق سندات مجموعة السبع، فمن المحتمل أن تكون هذه التشوهات قد أدت إلى انخفاض العائدات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الأسواق الأقل تشوهاً، وقد أدى هذا التواجد الكبير للمشترين الذين لا يتأثرون بالسعر إلى تقليل الشكوك حول مستويات العائد في المستقبل.

ونتيجة لذلك، انهارت العلاوات في جميع أنحاء العالم، وهي العائد الإضافي للمستثمرين نظير تحمل مخاطر أسعار الفائدة على مدى فترات أطول. وربما أثرت مثل هذه التشوهات أيضاً على قدرة الأسواق على التسعير والتعامل على مستوى «آر ستار»، وهو مستوى سعر الفائدة الذي تكون عنده السياسة النقدية مناسبة تماماً لإبقاء الاقتصاد عند نقطة التوازن، أي ليس متشدداً للغاية أو مرناً للغاية.

لكن هذه العوامل الدافعة كلها قد انتهت، فمن ناحية الطلب، أصبحت البنوك المركزية الكبرى الآن في وضع التشديد الكمي: فإما أن يتم بيع الأوراق المالية الحكومية بكثافة، أو لا يتم إعادة استثمار السندات المستحقة بعد الآن. وفي الوقت نفسه، تقوم الحكومات بطرح كميات كبيرة من الديون بسبب العجز الكبير. ولكن هذه المرة، البنوك المركزية، كمشترين لا يتأثرون بالأسعار، قد غابت عن السوق في الغالب. ويتعين على القطاع الخاص الآن أن يستوعب كمية كبيرة من الديون السيادية الجديدة.

إن النظرية التي تصف جيداً المنحنى في الأوقات العادية تقول إن هذا لا ينبغي أن يكون مهماً بالنسبة لمستوى العائدات، ولكن العائدات يحددها المشتري غير الرئيسي، والذي يتمثل الآن في القطاع الخاص الحساس للأسعار. وفي هذا الوضع الجديد، يمكن أن يؤثر عرض السندات على مستوى العائدات من خلال علاوات الأجل، وقد يؤدي ارتفاع السندات القائمة إلى رفع حصة ملكية القطاع الخاص، حيث لم تعد البنوك المركزية موجودة في السوق، غير أنه لدى مستثمري القطاع الخاص العديد من الخيارات الأخرى عندما يتعلق الأمر بشراء السندات. ولهذا يجب أن ترتفع العائدات لتصبح أكثر جاذبية. على سبيل المثال، اشترى المتعاملون الأساسيون مؤخراً 18% من المبلغ الإجمالي في مزاد لسندات الخزانة الأمريكية لمدة 30 عاماً، مقارنة بمتوسط شراء بلغ 11% في العامين الماضيين، لأن المشترين الآخرين من القطاع الخاص آثروا الابتعاد، ويؤشر ذلك إلى نوع من ضعف الطلب أدى إلى ارتفاع فوري في عائدات السندات الأمريكية.

وتزداد أهمية هذه الديناميكيات عندما تقوم حكومات مجموعة السبع بطرح كمية هائلة من الديون في نفس الوقت، ومن ثم يكون لدى مستثمري القطاع الخاص خيارات أوسع بكثير لما هو متاح للشراء. ولجذب هؤلاء المستثمرين، ستحتاج سندات البلدان التي لديها نفس مخاطر التخلف عن السداد إلى تقديم عوائد أعلى، وهذا سبب مهم للانتعاش الأخير في علاوات الأجل، كما سيكون لتوقعات المعروض الكبير من السندات في المستقبل تأثيرات مماثلة على هذه العلاوات.

وفي عام 2022، سجلت السندات الحكومية الأمريكية أكبر خسائرها منذ عام 1871. ونتيجة لذلك، ومع توقع الكثير من الإصدارات في المستقبل، سيكون المستثمرون حذرين بشأن الاحتفاظ بكمية زائدة من السندات الحكومية، كما أن عدم اليقين بشأن مستوى العوائد في المستقبل، نتيجة لارتفاع الإصدارات المتوقعة، يساهم في ارتفاع علاوات الأجل اليوم. وفي بعض البلدان، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وصلت هذه العلاوات بالفعل إلى مستويات لم تشهدها منذ الأزمة المالية في عام 2008. ومع ذلك، ونظراً للكمية الكبيرة من الطروحات، وحذر المستثمرين بشأن مستويات العائد المستقبلية، فقد ترتفع هذه العلاوات بسهولة أكثر من المستويات التي نراها اليوم. ويتعين على الحكومات والمستثمرين أن يدركوا أنه في الظروف الحالية، يعد إصدار السندات عاملاً مهماً في تحديد العائدات.

كلمات دالة:
  • FT

مشاكل كبيرة تلوح في أفق أسواق السندات

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock